إن الله جل وعز ينظر إلى جميع شعوب الأرض بأنهم متساوون لا فرق بينهم كما قال النبي عاموس (٩: ٧ ترجمة كتاب الحياة) ﴿أَلَسْتُمْ لِي يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلَ الْكُوشِيِّينَ؟ يَقُولُ الرَّبُّ، أَلَمْ أُخْرِجْ إِسْرَائِيلَ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ كَفْتُورَ وَالآرَامِيِّينَ مِنْ قِيرٍ؟﴾. لا يوجد فكرة أو موضوع في التوراة تقول إن بني إسرائيل أو اليهود متميزون عن غيرهم من البشر. إن هذه المسألة فكرة مهمة جداً ولهذا السبب سنفسر هذا الموضوع من جذوره.
وفقاً للتوراة، إن أصل اليهود يعود إلى الجد الأكبر إبراهيم الخليل، ، ومن بعده ابنه إسحق ومن بعده ابنه يعقوب وأولاده الاثني عشر، ومنهم جاء بنو إسرائيل الذين عاشوا في مصر القديمة ومن ثم انتقلوا إلى صحراء سيناء حيث أعطيت لهم التوراة من الله تعالى على يد سيدنا موسى كليمه،.
الشيء الوحيد الذي يميز بني إسرائيل هو قبولهم وحدانية الله تعالى ويعبدونه ولا يشاركون آلهة أخرى معه، فهم مجبرون على تنفيذ وصاياه وأوامره، التي تجسد الرأفة والنور والسلام، حسب شرائع التوراة التي أنزلت على جبل سيناء. فإن فعلوا ذلك فيُطلق عليهم التعبير «شعب مختار» أو «شعب مقدس» (الخروج ١٩: ٥- ٦، التثنية ٧: ٧- ٨، ١٤: ٢) أو «نور للأمم» (إشعياء ٤٢: ٦). وإذا خالفوا وصاياه ولم يسلكوا طريقه المستقيم فهم سوف يتلقون العقوبات الشديدة كما قالت التوراة (اللاويين ٢٦، التثنية ٢٨ - ٢٩). لم يعطِ الرب بني إسرائيل نوعية طبعية خصوصية أو قدسية إلا إنه أمرهم ﴿كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكُمْ قُدُّوسٌ﴾ (اللاويين ١٩: ٢ ترجمة كتاب الحياة) وبعبارة أخرى، يجب على اليهود أن يكونوا شعباً مقدساً عندما ينفذّون كلام الله وحفظ وصاياه عند ذلك يكتسبون صفة «شعب الله المختار». وبالإضافة لذلك، يقبل الدين اليهودي من غير اليهود—يدين بأي ديانة أخرى—اعتناق الدين اليهودي، بغض النظر عن عرقه ولونه وجنسه.
إن كل من يسلك الطريق الصحيح من البشر ويحب لأخيه ما يحب لنفسه ولا يسرق ولا يقتل فهو من الصالحين وعليه أن يعتبر نفسه من الشعب المختار. حسب المِشنا يجب على كل الإنسان أن يرى نفسه بأنه من الصفوة المختارة عند الخالق تعالى. نجد في المِشنا ("سانهدرين" ٤: ١٣) «إن مَلِكَ مُلُوكَ ٱلمُلُوكِ اَلمُقَدَّسُ تَبَارَكَ ٱللهُ قَدْ طَبَعَ ٱلإِنْسَ كُلُّهَا بِخَتْمِ آدَمَ ٱلأَوَّلَ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَمِثْلَ صَاحِبِهِ لِهَذَا ٱلسِّبَبِ يَجِبُ عَلَى كُلٍ وَاحِدٍ وَوَاحِدٍ أَنْ يَقُولَ ِلأَجْلِي خُلِقَتِ ٱلدُّنْيَا» وهذا القول ينطبق على كل البشر من اليهود وغيرهم.
وكذلك بالنسبة للأمم وشعوب. إن الله تعالى أعطى القدرة لكل شعب أن يكون من «شعب الله المختار». نجد ذلك في الكتاب المقدس العبري بقوله تعالى (أشعياء ١٩: ٢٤ – ٢٥ ترجمة كتاب الحياة) ﴿فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثَالِثَ ثَلاَثَةٍ مَعَ مِصْرَ وَأَشُّورَ، وَبَرَكَةً فِي وَسَطِ الأَرْضِ، فَيُبَارِكُهُمُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ قَائِلاً: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَصَنْعَةُ يَدِي أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ»﴾ إن كل شعب الذي يسلك الطريق المستقيم، مثل مصر وأشور، ولا يسرق ولا يزني ولا يظلم ولا يؤذي ويعبد الله تعالى وحده، فهذا الشعب من الصالحين ويسمى «شعب الله» أو «صنعة يدي الله».
ونجد بعد نزول التوراة بزمنٍ طويل بأن الله تعالى أرسل كثيراً من الأنبياء إلى شعوب الأرض ليرشدهم إلى الطريق الصحيح وإلى عبادة الله تبارك وإلى نبذ الأوثان مثل النبيين يونان (يونس) وعوبديا وغيرهم. ألف الحاخام نثانئل بن الحاخام فيومي من اليمن عام ٥٤١ ﻫ (١١٤٧م) كتابه «بستان العقول» بالعربية وبالحروف العبرية. كتب الحاخام فيه ما يلي عن هذا الموضوع:
"فتعلم يا أخي، إن الله تعالى وتبارك لم يمتنع أن يبعث إلى عالمه من شاء متى شاء... وإنه سبحانه قد بعث إلى الأمم أنبياء من قبل نزول التوراة كما قالوا الحاخامات (في التلمود البابلي "بابا بَثرا" أو "الباب الأخير" ١٥ب)... ولم يمتنع أن يبعث ما شاء بعد نزولها ولا يبقى العالم بلا دين. وقد نطقت الأنبياء بأنه سبحانه يعبد من مشرق الشمس إلى مغربها في سائر الأمم كقوله ﴿لأَنَّهُ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُحْرَقُ لاِسْمِي بَخُورٌ وَذَبَائِحُ طَاهِرَةٌ، لأَنَّ اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ﴾ (ملاح ١: ١١ ترجمة كتاب الحياة)"*
لقد خلق الله بني إسرائيل كبقية الشعوب الأخرى وأعطاهم التوراة وطلب منهم أن يكونوا من الصالحين وأن يقدسوا اسم المولى تعالى بتنفيذ جميع وصاياه الموجودة فيها. لأن هوية اليهودي متعلقة بتنفيذ التوراة أكثر مما هي متعلقة بوطن قومي أو بلغة قومية. إن كلام هذا المقال جاء في «كتاب التثنية» (شرائع أصول التوراة ٥: ١) لمؤلفه الحاخام موسى بن ميمون.
في أيامنا هذه حيث أصبحت غالبية الشعوب تؤمن بوحدانية الله تعالى مثلهم مثل اليهود، عليهم جميعاً أن يلتزموا بما ورد في الكتب السماوية التي تدعوا إلى التسامح الديني والتآخي والانسجام بين جميع الأديان والطوائف، ولا يظهرون أي تمييز أو تعصب ديني أو طائفي.
*«بستان العقول» مطبوع في أورشليم ١٩٨٣م، صفحة ١١٠
|